MENU





 

.

.

مرور مئة عام على ميلاد الكاتب الشركسي الراحل السيد مرات برنقو

.

.

 " ولِد َشاعـِرًا ، وَعَاشَ شاعـِرًا "
الشاعر الشركسي مرات برنقو هو واحد من أبرز الكتاب الشراكسة الأوائل الذين رسخوا دعائم أدبنا الشركسي ، وأخذ مكانته اللائقة في دنيا الأدب والشعر ، وكان شعره مرآة حياته ، ترى فيه صور معاناته ، ومشاهد حية من حياته التي كانت محفوفة بالصعاب . بدأ ينشر كتاباته منذ سنة ( 1929 ) ، وحينئذ لم يكن قد تجاوز السابعة عشرة من عمره

.

. أصدر كتابه الأول " الصيام " ، ولقي اهتماما كبيرا من قبل الكتاب ، واحتل مكانة مرموقة في علم الأدب والشعر ، وفيه تناول قضية الإنسان والدين والعلاقة مابين المستبدين والمستعبدين ، وبعد ذلك أصدر كتبا أخرى من مثل : ( البخيل ) ، و ( أغنية السعداء ) ، ( الشعر الشعراء ) ، ( صباح آمن ) ، كما كتب للأطفال ( اضرب بعصاي ) ، و( البطل الصغير ) ، وحكايا ت شعرية للأطفال . ترجم العديد من الكتب الروسية الكلاسيكية لأشهر الكتاب الروس من مثل " قصة رجل حقيقي " للكاتب الروسي ب . نـَليفويم Б.Нолевоим ) ( وكتاب دكتور أيبوليت ( Доктор Айболит ) للكاتب الروسي " ك . جوكوفسكي " ( К. Чуковский ) ، وكتاب المرج الذهبي للكاتب الروسي ي . س تورغينف ( И. С . Тургенев ) ، وغيرها . إن الأعمال الإبداعية المختارة للشاعر دخلت الكتب والبرامج التعليمية وفي مختلف المراحل الدراسية وابتداء من مرحلة رياض الاطفال ، وحتى المرحلة الثانوية ، وهي هادفة ، وتربوية ، وغنية بالفوائد والعبر ، وحافلة بالقيم والمثل الإنسانية . عاش الأديب أربعون عاما من حياه القصيرة في جنان الأدب والشعر ، وخلف لنا العديد من المؤلفات والكتب الأدبية ، والتي عبر فيها عن حبه الكبير للوطن ، والأرض ، والناس ، والأحبة ، والأصدقاء ، وعندما اشتعلت الحرب العلمية الثانية مضى الكاتب إلى جبهات القتال ليذود عن حياض الوطن ، وفي ظهرت شجاعته ، وأبدى بطولة استحق فيها على أوسمة وجوائز من الدولة السوفيتية ، ولما عاد من الحرب رجع ومن جديد إلى دنيا الأدب والشعر ، وتناول من جديد قلمه ليواصل الكتابة والعطاء إلا َّ أن الموت عاجله ، ففارق الحياة في حادثة سير مروعة سنة ( 1970 ) . في الخامس من شهر أيار لهذا العام سنة ( 2012 ) م أقيم حفل إحياء ذكراه في العيد الميلادي المئوي له ,خصصت حصص دراسية في رياض الأطفال ، وفي كافة مدارس الجمهورية ، وأقميت له ندوات أدبية في مكتبات الجمهورية ، تكلموا فيها عن نتاجه الشعري ، وحياته ، وأعماله ، وفي الندوة الأدبية التي أقيمت له في المكتبة القومية ، والتي أطلق عليها اسم " ولد شاعرا وعاش شاعرا " اجتمع حشد غفير من الناس ، كان بينهم الكتاب والشعراء ، والمتخصصين في دراسة أعماله ، وإصداراته وعشاق أدبه ، وشعره من القراء ورجال الفكر والثقافة ، وأقرباؤه ، وأحباءه ، وأهالي قريته بشْحالـْقواي Пчыхьалъыкъуае ) ) ، وابنه يورا ، وزوجة ابنه الكبير الراحل السيدة قوتاس ، وأحفاده ، وأساتذة وطلاب الجامعة ، وتلاميذ المدارس ،والملون في المكتبة ، والسادة الصحفيون . ألق كلمة الافتتاح الباحث الشركسي السيد روسلان مامي ِّ ، فذكر أنه عندما جاء إلى مدينة مايكوب ليعيش فيها ، قدر الله له أن يسكن في البناية التي كان يعيش فيها الشاعر ,الأديب الراحل مرات برنقو ، فتعرف على مزايا شخصيته ، وأخلاقه ، وطبيعته ، ثم تحدث عن غنى نتاجه الأدبي ، والشعري ( قصائده ، وأغنياته ، وحكاياته الشعرية التي كتبها للأطفال ) ، وخصائص أسلوبه ، وقال أيضا : أن الطلبة ، وإن لم يعرفوا الكاتب عن قرب ، ولم يروه إلا أنهم قرؤوا بعض قصائده ، وتعلموها وعن ظهر قلب في مدارس الجمهورية ، وفي رياض الأطفال . لقد أصبحت قصيدته " أغنية الراعي " ، والتي كتبها بأسلوب رفيع ومتميز ، فكانت أشبه بلوحة فنية معبرة تحكي لك عن عالم الإنسان ، وبيئته ، أما معاني شعره ، فتتسم بالبعد ، والعمق ، وهي تشع بالمعاني الإنسانية ، وكلما قرأتها وجدت فيها أشياء جديدة ، وجميلة ، ووجه السيد " أنظار الناس إلى كثرة الأعمال والمؤلفات التي تركها ، فأغنى بها أدبنا الشركسي ، " روسلان مامي ِّ " ومكتباتنا ، ولو قدر الله له الحياة لكان قد بلغ اليوم المائة سنة ، ولكان بما أودع الله فيه من ملكات ، وطاقات أن يقدم الكثير من الأعمال الجليلة والخالدة . تحدث بعد ذلك الكاتب ، والشاعر الشركسي المشهور السيد " بشماف كوشباي " حامل لقب كاتب الشعب الشركسي ، فقال : إنه كان يرى الأديب " مرات بَرَنِقو " عندما كان يأتي إلى قريته " أدَمِي َ " لأن زوجة الأديب الراحل من نساء هذه القرية ، وهي ابنة " اسماعيل حَتـْسُكو " ( ХьэцIыкIу ) ، واسمها " كاتيا " ، وكان الناس يجلون رجال العلم ، والمتعلمين في ذلك الوقت لقلتهم ، ألا أنني عندما بدأت أعمل في الصحافة تعرفت عليه ، وبصورة أعمق ، وأكبر على شخصيته كإنسان ، وكاتب ، وشاعر ، وأردف قائلا : لو أنه يكتب سوى قصيدتيه " أمنا " و قصيدة " أغنية الراعي " لكفته لأن يحمل اسم الكاتب ، وقال أيضا متحدثا عمن أخلاقه : لقد كان مرات برنقو إنسانا متواضعا ، ومهذبا ، ونظيفا ، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة ، وما تحمله من معاني ، وضرب على ذلك أمثلة حية من حياة الأديب ، وسيرته . ولما تكلم الكاتب " حظرت بنشو " تحدث عن ذكرياته ، فقال : أن عمه ، ومرات برنقو ، وتيمبوت جراشة ، وكستانَ يعملون معا في المكتب الحزبي ، وكانوا رفاقا ، وأصدقاء ، وكنت أنا أدرس حينذاك في دار المعلمين ، وأقيم في بيت عمي ، وكان الأصحاب الأعلام ، والذين ذكرت أسماءهم يذهبون معا لصيد الأسماك ، وكانوا يحبون بعضهم ، فيمزحون ، ويتسامرون ، يتبادلون الطرائف والملح ، وعرفوا بصدقهم ، وإخلاصهم لبعضهم ، إن ذكراهم وطيبتهم مازالت حية في قلبي رغم صغر سني ، كما حدثنا عن تأثره بكتبه ومؤلفاته . وتحدثت في هذا اللقاء ابنة أخت الأديب مرات برنقو السيدة شمست برنقو ، والتي تعيش مع أسرتها بقرية أسقلاي ، وهي مُدَرِّسَة ُ مَدْرَسة القرية للغة الشركسية ، والأدب الروسي ، وقد أ ُحليت للتقاعد ، ومنذ بداية حديثها ظهر وبوضوح عمق فهمها لأدب مرات ، وشعره ، ووصفته قائلة : " لقد كان إنسانا نبيها ، وَذ َكِيا ، وصاحب ثقافة واسعة ، واستطاع أن يكسب حب الناس وتقديرهم ، سخر ريشة قلمه لخدمة ملكاته ، وطاقاته الإبداعية ، ثم قرأت أغنيته الشعرية ، والتي لحنها الفنان الكبير الملحن المشهور " عمر تحابسم " أغنية الراعي " وقصيدته " أ ُمـُّنا " عن ظهر قلب ، وبصورة معبرة ، ودون أن تنسى كلمة واحدة منها ، وضربت أمثلة على سعة ثقافته وعمق فهمه ، وفطنته ، ومعرفته الكبيرة للغة الشركسية ، وقدرته على استخدام ألفاظها ، وكلماتها ، وحسن توظيفه لها للمعاني التي يريد أن يعبر عنها ، وكان يتعامل مع كلمات شركسية اتسمت بايحائها ، وقدراتها في التعبير عن المعاني الدقيقة ، والتي امتازت بجمالها أيضا ، وحين وصفته بالرأفة ، والكرم ، والأخلاق الحسنة ضربت بعض الأمثلة على ذلك ، فقد حزن حزنا شديدا على أخيه الذي لم يعد من الحرب ، وكان صاحب أسرة ، وعيال . وقد عرض ممثلو مسرح العرائس تمثيلية ( اضرب بعصاي ) على جمهور الحضور . وقدم السيد روسلان برنقو الشكر إلى منظمي هذا اللقاء الأدبي في إحياء الذكرى المئوية لميلاد الأديب ، والشاعر مرات برنقو ، وإلى جميع الحضور ، والمشاركين باسم عائلة برنقو ، وتمنى لهم أن يحيوا حياة مديدة لم يقدر للكاتب أن يحياها ، ويعيشها . فالإنسان يولد في هذه الحياة الجميلة ليسدي الخير والمعروف للناس ، وليترك بصماته الجميلة فيها ، ولتذكر فضائله ، وليترك أثرا حسنا ، ولو أننا أردنا أن نتحدث عن مرات برنقو ، وبايجاز فلا يمكننا إلا َّ وأن نقول : " ولد شاعرا ، وعاش حياته شاعرا " . نتمنى أن تحيا كتبه ، ومؤلفاته ، وأشعاره والتي تركها لنا حياة لم تقدر له .
الكاتبـــة الصحفية : نوريـــة مامْرُوقـه .
الترجمة إلى العربية : محمد ماهر إسلام .

.

.