MENU
|
|
. |
. |
لم تـُسْلـَبْ
مِنـَّا لـُغـَتنا ، وثقافتنا ، ولا قيَمُنا وَمُثـُلنا
|
|
. |
. |
عندما انتقل السيد حلمي
أتشمج من مدينته دُزْجَهْ ، وانتقل إلى مدينة أنقرة عاصمة
جمهورية تركيا تخيل وكأنه قد أصبح في عالم آخر يختلف كليا عن
المحيط الذي نشأ ، وتربى فيه . عمل في فرع "الجمعية القفقاسية "
، وهو يدرس في أنقرة ، وعندما نشبت |
|
|
|
. |
الحرب " الجيورجية ـ الأبخازية " ، وسمع أن
الشبان الشراكسة بدؤوا يشاركون فيها سنة ( 1993 ) ، سارع إلى
الإنخراط فيها عله ينفعهم بشئ مفيد ، وحمل السلاح ، وقاتل معهم هناك
، وكان من الرجال الأشداء الذين حرروا مدينة سوخومي . بعد أن وضعت
الحرب أوزارها جاء السيد حلمي إلى الأرض التي لم ينسها أبدا ، إلى
مايكوب عاصمة جمهورية الأديغي ليتعرف عليها ، ويراها ، ثم استقر ،
وتزوج فيها ، وكون أسرة شركسية جميلة . ولم يكتف بذلك لا بل التحق
بالجامعة ، ودرس اللغة ، والأدب الشركسي ، لكنه لم يقدر له أن يعمل
في اختصاصه ، إلا أنه ومنذ أمد قريب بدأ يترجم المقالات التي تنشرها
صحيفة الأديغ ماق " صوت الشراكسة " من اللغة الشركسية إلى اللغة
التركية ، وأتاح بذلك امكانية اطلاع شراكسة تركيا على أخبار وطنهم ،
ومعرفة ما يجري ، وما يحدث فيه . في الحديث الصحفي الذي أجريناه معه
تطرقنا إلى موضوعات شتى ، إلى يوم الحداد السنوي الذي يحييه الشراكسة
كل عام ، وإلى تبدل طبيعة حياة الشراكسة مع تغير أنماط الحياة ،
وتسارع الزمن ، وبفضل انفتاح أبواب روسيا الإتحادية ، وحدودها مع
مختلف بلدان العالم أخذ شعبنا يتواصل من جديد ، ويلتقي ، وصار يلملم
أشلاؤه المبعثره ، ويضمد جراحه ، ويتطلع إلى المستقبل بأمل وتفاؤل .
ــ السيد حلمي : الحرب التي خاضها الشراكسة أكثر من مئة عام دفاعا عن
حريتهم ، لن ينسى أحد مآسيها ، وهي صفحات سوداء في تاريخ الإنسانية ،
إلا أنه وبدلا من أن نـَشْكـُو َ ، ونأسى دائما على ما أصابنا ،
ونقول : ( طردونا ، قتلونا ، وأبادوا شعبنا ) ، أليس من الأفضل أن
نفكر في حياتنا ، ومعيشتنا ، وبناء مستقبلنا ؟ .
ـ أرادت روسيا القيصرية القضاء على شعبنا قضاء تاما ، إلا أنها فشلت
في ذلك ، لأن مقومات الأمة بقيت لنا ، وهي : الأرض ، واللغة ، والقيم
والمثل ، والعادات والتقاليد ، فهي التي تميزه عن الشعوب الأخرى .
فللغة روح تتجدد باستمرار ، ويمكن للإنسان أن يتكلم بلغة أخرى ،
ويستطيع أن يغير من طباعه ، وعاداته ، إلا أنه ومن الصعب ، وبالقوة
المسلحة ، والحرب أن تخيف أي شعب ، وتقضي عليه . في تركيا ، وفي
البلدان الأخرى التي يعيش فيها الشراكسة لا يعرفون رئيسنا ، ولن
يقوموا بانتخابه ، إلا َّ أنهم يعتبرونه رئيسهم ، وترى صورته مع
العلم الشركسي ، وخريطة شركيسيا معلقة في بيوتهم . ومن الممكن أن
يقول لـَكَ : أنا من الناتخواي ، وهو يعيد إلى ذاكرتك أرض الناتخواي
، والواقعة اليوم في منطقة أنابَه ْ ، مؤكدا انتماءه إلى الشعب
الشركسي ، دون أن ينسى أماكن جذوره في الأرض التي امتدت فيها بعمق ،
وتوطدت ، وترسخت ، وكذلك حال المرء سواء أكان من أدَمِيَّ ، أوْ من
الحاتيقواي ، أو من غيرها . أنا ولدت في تركيا إلا َّ أنني لم أنس
أبدا أن هناك يوجد لي أرض ، ووطن شركسي ، وكنت أحلم أن أرى ذلك الوطن
، وأتعرف عليه ، وأظن أن ذلك حال كل شركسي ، فالوطن يحيا في قلوبهم ،
وأفئدتهم ، وهو بمثابة الروح للجسد ، ولذلك فإن قادتنا إن قاموا
بمسؤولياتهم القومية استطاعوا أن يوحدوا رؤى شعبنا المبعثر ، ويقربوا
أفكاره ، ويجمعوا شمله .
ــ من الجلي أن شراسة المهجر يحبون الأديغي من قلوبهم ، إلا َّ أنهم
غير متلهفين للعودة إلى أرض الوطن .
ــ هناك من لا يفكرون في العودة مطلقا ، وهناك أسباب عديدة ومختلفة
لذلك ، فالبعض يريد العودة ، ولكنهم لا يعرفون شيئا عن روسيا ، وما
يدور ، وما يجري فيها من أحداث ، وهناك أشياء كثيرة غير واضحة عن
الحياة في روسيا ، وغير مفهومة ، ولديهم أفكار مغلوطة عنها ،
اكتسبوها من الثقافة الإمبريالية والمعادية لروسيا ، وأن المواطنين
فيها مقهورون ، ومُطـَّهدون ، وأنَّ ما تبقى فيها من الشعب الشركسي
سوف يطردون من وطنهم يوما ما كما طرد معظمهم من قبل . وهناك من
لايستطيع ، ولأسباب مادية تجهيز ، وإعداد الأوراق اللازمة لعودتهم
بسبب ارتفاع أسعار نفقاتها ، وتعقيداتها ، وصعوباتها ، وتأخيرها .
ــ هل ترى لذلك حلولا مفيدة ، وناجعة لذلك ؟
ــ في السنوات العشر الأخيرة تطورت علاقات التواصل مابين أفراد شعبنا
الشركسي ، وزادت وبصورة جيدة ، ولكن مازلنا بحاجة إلى المزيد من
الوقت كي يزداد أعداد الراغبين في العودة ، وتتبدد جميع مخاوفهم . كل
ذلك مرتبط بالفكر ، لذلك يجب أن تتغير ، وتتبدد تلك الأفكار حتى
تنفتح أبواب العودة ، وهذا يحتاج إلى إلى مزيد من الوقت . ومن أجل أن
تحقق ما تريد يجب أن تكون لديك رغبة قوية لذلك . ويمكنني أن أضرب
لذلك مثلا تعاون الشعب الإسرائيلي ، وكيفية تحقيقهم لحلمهم المنشود
في إقامة دولة أسرائيل ، ولقد عانى هؤلاء أكثر مما عانيناه نحن بكثير
، لكنهم استطاعوا أن يحققوا أمنيتهم ، ويصلوا إلى مبتغاهم بإرادة
قوية ، وبصبر ، وصلابة ، ونحن إن وثقنا بأنفسنا ، تكون لنا أيضا
إرادة وقوة .
ــ إن أردت أن تغرس في نفوس الناس الإرادة ، وتجمعهم على هدف واحد ،
وتوحدهم فيجب وحسب اعتقادي أن يبدأ ذلك من قبل الزعماء والقادة ،
هكذا اعتدنا منذ أيام السلطة السوفيتية ، فإن أرادت السلطة جرت
الأمور بيسر وسهولة ، وإن رفضت توقفت تماما ، وتعطلت .
ــ أوافقك الرأي . إن القادة والمسؤولين في هذا البلد ليسوا قادة
للمواطنين ، والشراكسة الذين يعيشون هنا فقط ، وإنما هم قادة
للشراكسة الذين يعيشون أيضا في مختلف بلدان المهجر ، فهم يعتبرون
أنفسهم من الأديغي على الرغم من وجودهم ، وحياتهم في بلدان أخرى .
لذلك فإن قادتنا ومسئولينا لو وَظـَّفـُوا امكانياتهم ، وبصورة جيدة
قدموا الكثير من الخير والفائدة لشعبنا الشركسي . في أكثر من أربعين
بلدا يعيش الشراكسة اليوم ، وبينهم الأغنياء ، والسياسيون ،
والإقتصاديون ، ورجال الأعمال ، فإن توحدت ، وجمعت هذه القدرات
والطاقات لخدمة شعبنا لانبعث شعبنا اقتصاديا ، ومعيشيا ، وحقق نموا
وتقدما عظيما .
ــ من أجل تسريع عملية عودة شراكسة سوريا إلى أرض الوطن ، ماالذي
يتوجب عمله في رأيك ؟ .
ــ أنا لا أرى أنه تقدم إليهم مساعدات وبصورة فعلية ، وكافية . ولكي
يستفيد الشراكسة من القرارات التي أصدرتها حكومة روسيا الإتحادية
بصدد مواطنيها الذين يعيشون خارج روسيا يجب اجراء بعض التعديلات فيها
. فالعائدون اليوم من سوريا يأتون ، وكأنهم سائحون ، ولا يريدون هم
أيضا أن يعتبروا لاجئين ، وليس عنهم الوقت الكافي للحصول على حق
الإقامة ، لأن الفيزة الممنوحة إليهم مدتها ثلاثة أشهر فقط ، وبعدها
يتوجب عليهم المغادرة ، والخروج من روسيا . لذلك فإنني أرى أنه يجب
عمل شيء ما يؤكد أن شراكسة المهجر هم منا ، فما يجري اليوم في سوريا
، يمكن أن يحدث مستقبلا في بلد آخر يعيش فيه الشراكسة ، ويتوجب عليهم
الرحيل أيضا . إن الشراكسة وأينما كانوا يعتبرون غرباء ، ولو مضى على
وجودهم هناك عدة قرون أخرى ، فهم يقولون لك : " أنت شركسي ، هذه
الأرض ليست أرضك ، ولا وطنك " . فإلى أين سيذهبون ، إن لم يأتوا إلى
هنا ؟ ! . وأنا أعتبر أن الأديغي بإمكانها أن تساعد الراغبين في
العودة ، وبإمكانها أن تقوم بتمديد مدة الفيز الممنوحة للعائدين ،
كما هو الحال في الجمهوريات الروسية الأخرى .
ــ الكاتبة الصحفية : السيدة أصلان غواشَه شاوقو .
ــ الترجمة إلى العربية : محمد ماهر إسلام . |
. |
. |
|
|
|
|
|